فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}
جَاهَرَ الحقيقةَ بالخلاف بعدما أظهر من نفسه غايةَ الخلوص في العبودية، فَعُلِمَ أن جميع ما كان منه في سالف حاله لم يصدر عن الإخلاص والصدق. اهـ.

.من فوائد الفخر في الآية:

الباء في قوله: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} فيه وجوه:
الأول: إنه باء القسم أي بإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي، بقدرتك علي ونفاذ سلطانك في لأقعدن لهم على الطريق المستقيم الذي يسلكونه إلى الجنة، بأن أزين لهم الباطل، وما يكسبهم المآثم، ولما كانت الباء باء القسم كانت اللام جواب القسم وَمَا بتأويل المصدر و{أَغْوَيْتَنِى} صلتها.
والثاني: أن قوله: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} أي فبسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم، والمراد إنك لما أغويتني فأنا أيضًا أسعى في إغوائهم.
الثالث: قال بعضهم: مَا في قوله: {فَيمَا أَغْوَيْتَنِى} للاستفهام كأنه قيل: بأي شيء أغويتني ثم ابتدأ وقال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} وفيه إشكال، وهو أن إثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على ما الاستفهامية قليل.
فائدة:
قوله: {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} لا خلاف بين النحويين أن على محذوف والتقدير: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم.
قال الزجاج: مثاله قولك ضرب زيد الظهر والبطن والمعنى على الظهر والبطن وإلقاء كلمة على جائز، لأن الصراط ظرف في المعنى: فاحتمل ما يحتمله لليوم والليلة، في قولك آتيك غدًا وفي غد.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} فيه أبحاث.
البحث الأول: المراد منه أنه يواظب على الإفساد مواظبة لا يفتر عنها، ولهذا المعنى ذكر القعود لأن من أراد أن يبالغ في تكميل أمر من الأمور قعد حتى يصير فارغ البال فيمكنه إتمام المقصود ومواظبته على الإفساد هي مواظبته على الوسوسة حتى لا يفتر عنها.
والبحث الثاني: إن هذه الآية تدل على أنه كان عالمًا بالدين الحق والمنهج الصحيح، لأنه قال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} وصراط الله المستقيم هو دينه الحق.
البحث الثالث: الآية تدل على أن إبليس كان عالمًا بأن الذي هو عليه من المذهب والاعتقاد هو محض الغواية والضلال، لأنه لو لم يكن كذلك لما قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} وأيضًا كان عالمًا بالدين الحق، ولولا ذلك لما قال: {لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم}.
وإذا ثبت هذا فكيف يمكن: أن يرضى إبليس بذلك المذهب مع علمه بكونه ضلالًا وغواية وبكونه مضادًا للدين الحق ومنافيًا للصراط المستقيم فإن المرء إنما يعتقد الفاسد إذا غلب على ظنه كونه حقًا، فأما مع العلم بأنه باطل وضلال وغواية يستحيل أن يختاره ويرضى به ويعتقده.
واعلم أن من الناس من قال أن كفر إبليس كفر عناد لا كفر جهل لأنه متى علم أن مذهبه ضلال وغواية، فقد علم أن ضده هو الحق، فكان إنكاره إنكارًا بمحض اللسان، فكان ذلك كفر عناد، ومنهم من قال لا بل كفره كفر جهل وقوله: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} وقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} يريد به في زعم الخصم، وفي اعتقاده، والله أعلم.
فائدة:
احتج أصحابنا بهذه الآية في بيان أنه لا يجب على الله رعاية مصالح العبد في دينه ولا في دنياه وتقريره أن إبليس استمهل الزمان الطويل فأمهله الله تعالى، ثم بين أنه إنما استمهله لإغواء الخلق وإضلالهم وإلقاء الوساوس في قلوبهم، وكان تعالى عالمًا بأن أكثر الخلق يطيعونه ويقبلون وسوسته كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين} [سبأ: 20] فثبت بهذا أن إنظار إبليس، وإمهاله هذه المدة الطويلة يقتضي حصول المفاسد العظيمة والكفر الكبير، فلو كان تعالى مراعيًا لمصالح العباد لامتنع أن يمهله، وأن يمكنه من هذه المفاسد فحيث أنظره وأمهله علمنا أنه لا يجب عليه شيء من رعاية المصالح أصلًا، ومما يقوي ذلك أنه تعالى بعث الأنبياء دعاة إلى الخلق، وعلم من حال إبليس أنه لا يدعو إلا إلى الكفر والضلال، ثم إنه تعالى أمات الأنبياء الذين هم الدعاة للخلق، وأبقى إبليس وسائر الشياطين الذين هم الدعاة للخلق إلى الكفر والباطل ومن كان يريد مصالح العباد امتنع منه أن يفعل ذلك.
قالت المعتزلة: اختلف شيوخنا في هذه المسألة.
فقال الجبائي: إنه لا يختلف الحال بسبب وجوده وعدمه، ولا يضل بقوله أحد إلا من لو فرضنا عدم إبليس لكان يضل أيضًا، والدليل عليه قوله تعالى: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بفاتنين إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} [الصافات: 162، 163] ولأنه لو ضل به أحد لكان بقاؤه مفسدة.
وقال أبو هاشم يجوز أن يضل به قوم، ويكون خلقه جاريًا مجرى خلق زيادة الشهوة، فإن هذه الزيادة من الشهوة لا توجب فعل القبيح إلا أن الامتناع منها يصير أشق، ولأجل تلك الزيادة من المشقة تحصل الزيادة في الثواب، فكذا هاهنا بسبب إبقاء إبليس يصير الامتناع من القبائح أشد وأشق، ولكنه لا ينتهي إلى حد الإلجاء والإكراه.
والجواب: أما قول أبي علي فضعيف، وذلك لأن الشيطان لابد وأن يزين القبائح في قلب الكافر ويحسنها إليه، ويذكره ما في القبائح من أنواع اللذات والطيبات، ومن المعلوم أن حال الإنسان مع حصول هذا التذكير والتزيين لا يكون مساويًا لحاله عند عدم هذا التذكير، وهذا التزيين والدليل عليه العرف، فإن الإنسان إذا حصل له جلساء يرغبونه في أمر من الأمور ويحسنونه في عينه ويسهلون طريق الوصول إليه ويواظبون على دعوته إليه، فإنه لا يكون حاله في الإقدام على ذلك الفعل كحاله إذا لم يوجد هذا التذكير والتحسين والتزيين والعلم به ضروري، وأما قول أبي هاشم فضعيف أيضًا لأنه إذا صار حصول هذا التذكير والتزيين حاصلًا للمرء على الإقدام على ذلك القبيح كان ذلك سعيًا في إلقائه في المفسدة، وما ذكره من خلق الزيادة في الشهوة، فهو حجة أخرى لنا في أن الله تعالى لا يراعي المصلحة، فكيف يمكنه أن يحتج به؟ والذي يقرره غاية التقرير: أن لسبب حصول تلك الزيادة في الشهوة يقع في الكفر وعقاب الأبد، ولو احترز عن تلك الشهوة فغايته أنه يزداد ثوابه من الله تعالى بسبب زيادة تلك المشقة وحصول هذه الزيادة من الثواب شيء لا حاجة إليه ألبتة، إما دفع العقاب المؤبد فإليه أعظم الحاجات، فلو كان إله العالم مراعيًا لمصالح العباد لاستحال أن يهمل الأهم الأكمل الأعظم لطلب الزيادة التي لا حاجة إليها ولا ضرورة، فثبت فساد هذه المذاهب وأنه لا يجب على الله تعالى شيء أصلًا، والله أعلم بالصواب. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (17):

قوله تعالى: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان قد أقام نفسه في ذلك بغاية الجد، فهو يفعل فيه بالوسوسة بنفسه ومن أطاعه من شياطين الجن والإنس ما يفوت الحد ويعجز القوى، أشار إليه بحرف التراخي فقال مؤكدًا: {ثم لآتينهم} أي إتيانًا لابد لي منه كائنًا ابتداؤه {من بين أيديهم} أي مواجهة، فأحملهم على أن يفعلوا ما يعلمون أنه خطأ {و} كائنًا {من خلفهم} أي مغافلة، فيعملون ما هو فاسد في غاية الفساد ولا شعور لهم بشيء من فساده حين تعاطيه فأدلهم بذلك على تعاطي مثله وهم لا يشعرون {وعن} أي ومجاوزًا للجهة التي عن {أيمانهم} إليهم {وعن} أي ومجاوزًا لما عن {شمائلهم} أي مخايلة، فيفعلونه وهو مشتبه عليهم، وهذه هي الجهات التي يمكن الإتيان منها، ولعل فائدة عن المفهمة للمجاوزة وصل خطى القدام والخلف ليكون إتيانه مستوعبًا لجميع الجهة المحيطة، وأفهمت الجهات الأربع قدحه وتلبيسه فيما يعلمونه حق علمه وما يعلمون شيئًا منه وما هو مشتبه عليهم اشتباهًا قليلًا أو كثيرًا، وهم من ترك ذكره الأعلى أنه لا قدرة له على الإتيان منه لئلا يلتبس أمره بالملائكة، وقد ذكر ذلك في بعض الآثار كما ذكره في ترجمة ورقة بن نوفل رضي الله عنه.
ولما عزم اللعين على هذا عزمًا صادقًا ورأى أسبابه ميسرة من الإنظار ونحوه، ظن أنه بما راى لهم من الشهوات والحظوظ يظفر بأكثر حاجته، فقال عاطفًا على تقديره: فلأغوينهم وليتبعنني: {ولا تجد أكثرهم} كما هي عادة الأكثر في الخبث {شاكرين} فأريد به الشقاء فأغرق في الحسد، ولو أريد بالشقي الخير لاستبدل بالحسد الغبطة فطلب أن يرتقي هو إلى درجاتهم العالية بالبكاء والندم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة خضوعًا لمقام الربويية وذلًا لعظيم شأنه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين}
ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
في ذكر هذه الجهات الأربع قولان:
القول الأول: أن كل واحد منها مختص بنوع من الآفة في الدين.
والقائلون بهذا القول ذكروا وجوهًا: أحدها: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعني أشككهم في صحة البعث والقيامة {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} ألقي إليهم أن الدنيا قديمة أزلية.
وثانيها: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} والمعنى أفترهم عن الرغبة في سعادات الآخرة {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني أقوي رغبتهم في لذات الدنيا وطيباتها وأحسنها في أعينهم، وعلى هذين الوجهين فالمراد من قوله: {بَيْن أَيْدِيهِمْ} الآخرة لأنهم يردون عليها ويصلون إليها، فهي بين أيديهم، وإذا كانت الآخرة بين أيديهم كانت الدنيا خلفهم لأنهم يخلفونها.
وثالثها: وهو قول الحاكم والسدي {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعني الدنيا {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} الآخرة، وإنما فسرنا {بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} بالدنيا، لأنها بين يدي الإنسان يسعى فيها ويشاهدها، وأما الآخرة فهي تأتي بعد ذلك.
ورابعها: {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} في تكذيب الأنبياء والرسل الذين يكونون حاضرين {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} في تكذيب من تقدم من الأنبياء والرسل.
وأما قوله: {وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ} ففيه وجوه: أحدها: {عَنْ أيمانهم} في الكفر والبدعة {وَعَن شَمَائِلِهِمْ} في أنواع المعاصي.
وثانيها: {عَنْ أيمانهم} في الصرف عن الحق {وَعَن شَمَائِلِهِمْ} في الترغيب في الباطل.
وثالثها: {عَنْ أيمانهم} يعني أفترهم عن الحسنات {وَعَن شَمَائِلِهِمْ} أقوى دواعيهم في السيئات.
قال ابن الأنباري: وقول من قال، الأيمان كناية عن الحسنات والشمائل عن السيئات قول حسن، لأن العرب تقول: اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك، يريد اجعلني من المقدمين عندك ولا تجعلني من المؤخرين.
وروى أبو عبيد عن الأصمعي أنه يقال: هو عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة، وإذا خبثت منزلته قال: أنت عندي بالشمال، فهذا تلخيص ما ذكره المفسرون في تفسير هذه الجهات الأربع.